يأتي كتاب “تواصل النخب السياسية المغربية على مواقع التواصل الاجتماعي” ليقترح على القارئ رحلة هادئة ومتأنية داخل عالم السياسة كما يتشكل اليوم في الفضاء الرقمي. فالغاية من هذا العمل ليست فقط تحليل الأرقام أو رصد حضور النخب على المنصات، بل محاولة لفهم كيفية تشكل الخطاب السياسي عندما ينتقل من المنابر التقليدية إلى الشاشات الصغيرة التي نحملها جميعا.
يسعى يوسف أوزكيط، عبر هذا الكتاب، إلى تقديم فهم أعمق للتواصل السياسي الرقمي، من خلال قراءة جديدة لطريقة استعمال الفاعلين السياسيين المغاربة لمواقع التواصل الاجتماعي، وكيف يتفاعلون مع الرأي العام، وما إذا كان هذا الحضور قادرا بالفعل على التأثير وصناعة المعنى. فالكتاب يحاول أن يلمس الجانب الإنساني خلف كل منشور، وكل تفاعل، وكل محاولة للتقرب من المواطن.
لا يمكن فصل هذا العمل عن المسار المتعدد الزوايا لكاتبه يوسف أوزكيط، الذي يجمع بين التكوين الأكاديمي الراسخ والخبرة الميدانية في الشأن السياسي والإعلامي . فقد مكنه انخراطه المبكر في العمل السياسي من فهم دقيق لآليات صناعة القرار، ولطبيعة التفاعلات التي تحكم علاقة الفاعل السياسي بالرأي العام. كما تلقى تكوينا مهنيا في مجال الإعلام والعلوم السياسية، ما أتاح له اكتساب مهارات التحليل والكتابة، ورصد التحولات التي يشهدها الفضاء العام، سواء في الإعلام التقليدي أو الرقمي. هذا المزج بين التجربة السياسية والممارسة الصحافية والدراسة الأكاديمية يمنح الكتاب عمقه الإنساني والتحليلي، ويجعل مقارباته أقرب إلى الواقع وأكثر قدرة على قراءة تفاصيل المشهد السياسي المغربي في زمن الرقمنة.
لا يتوقف العمل عند حدود التحليل التقني، بل يتجاوز ذلك إلى الجانب الثقافي والاجتماعي للتواصل السياسي، إذ يسلط الضوء على دور التعدد اللغوي والثقافي الذي يميز المغرب في صياغة الرسائل السياسية داخل العالم الرقمي. كيف يخاطب السياسي جمهوره المتنوع؟ وكيف يجد طريقه داخل فسيفساء من الهويات والتجارب والانتظارات؟
يمتد الكتاب إلى المستقبل، محاولا استشراف ما قد يحمله الزمن الرقمي للنخب السياسية وللمشهد العام. ما الاتجاهات الجديدة التي يجب الانتباه إليها؟ وكيف يمكن للفاعلين السياسيين تطوير استراتيجيات أكثر قربًا من المواطن، وأكثر صدقا وفعالية؟
في النهاية، يأمل يوسف أوزكيط أن يكون هذا العمل إضافة نوعية للمكتبة المغربية، ومساهمة صادقة في النقاش الدائر حول تحولات السياسة في العصر الرقمي. فهو لا يقدم وصفًا جامدًا للواقع، بل يفتح الباب للتفكير والحوار والاختلاف، ويشجع القارئ على طرح الأسئلة بدل الاكتفاء بالأجوبة الجاهزة.
هذا الكتاب محاولة لفهم التغيير الذي يمس حياتنا اليومية، لأن علاقة النخب السياسية بمواقع التواصل الاجتماعي لم تعد موضوعًا أكاديميًا بحتًا، بل أصبحت نافذة نطل منها على ديناميات مجتمع يتحرك، وشباب يبحث عن صوت، وسياسة تحاول مواكبة زمن جديد.
بقلم : عبد الواحد بومصر –الرباط


التعليقات مغلقة.